الاشكالية :
إن اشتداد الصراع بين الشرق والغرب
بات ينذر بقيام حرب كونية مدمرة مما فرض على الطرفين اعتماد سياسة معتدلة هي
التعايش السلمي , حدد مفهومه ودوافعه ومظاهره .
تمهيـــــــــد :
في ظل اشتداد
التنافس بين الكتلتين الشرقية والغربية على الريادة العالمية ومناطق النفوذ ,
واشتداد أزمات هذا التنافس خاصة أزمتي كوريا وكوبا , أدى إلى زيادة احتمال قيام
حرب كونية مدمرة بعد تحكم الطرفين في أسلحة الدمار الشامل , هذا ما فرض عليهما
اللجوء إلى اعتماد سياسة أكثر مرونة واعتدالا عرفت بسياسة التعايش السلمي. مفهوم
التعايش السلمي : هو مصطلح سياسي نعني به نبذ ( إبعاد ) الحرب كوسيلة لتسوية
الخلافات الدولية وحلها بالطرق السلمية ( الحوار والمفاوضات ) مع الإقرار والقبول
بأن الحوار والمفاوضات وتبادل المنافع وتعدد الأفكار والمذاهب أسس ثابتة في
العلاقات الدولية. مفهوم الانفراج الدولي : وهي الفترة التاريخية التي عرفها
العالم بعد تسوية أزمة كوبا ( أكتوبر 1962م ) تخلص خلالها من الشدة والضيق اللذان
وصلا إليهما بفعل اشتداد أزمات الحرب الباردة خاصة كوبا وكوريا . دوافع التعايش
السلمي : هناك عدة دوافع فرضت على المعسكرين ضرورة اعتماد سياسة التعايش السلمي
وهي :
1- توازن الرعب النووي أي امتلاك الطرفين أسلحة الدمار الشامل .
2- تأكد كل طرف من استحالة القضاء على خصمه بالقوة .
3- الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالطرفين خلال أزمات الحرب الباردة خاصة
أزمة كوريا .
4- ضغط الرأي العام الدولي الرافض
لسياسة الحرب الباردة خاصة كتلة عدم الانحياز .
5- حدوث تفكك داخل الكتلتين .
6- التخلص من القيادات المتطرفة
بنهاية حكم ترومان عام 1952م ووفات ستالين في مارس 1953م .
7- تخلي السوفيات عن النظرية الصفرية
( التي تعني ربح كل شيء أو خسارة كل شيء ).
مظاهر التعايش السلمي :
هناك عدة مظاهر جسدت قبول
الطرفين واعتمادهم السياسة منها :
1- توقيع الهدنة الكورية في جويلية 1953م .
2- عقد لقاء جونيف في جوان 1955م بين أيزنهاور و خورتشوف والذي تم فيه الاتفاق على
الحد من شدة التوتر بين الطرفين .
3- حل السوفيات لمكتب إعلام شيوعي عام 1956م .
4- تبادل الزيارات بين قادة المعسكرين .5- مد جسور التعاون الثقافي والتجاري بين
المعسكرين .6- مد الخط الأحمر الهاتفي المباشر عام 1963 م بين موسكو وواشنطن
لتسهيل الإتصالات بين زعيمي المعسكرين . 7- حدوث التعاون الفعال بين العملاقين في
مجال غزو الفضاء(إلتحام مركبتيهما الفضائيتين في اوت 1975م ) 8- التوقيع على عدة
اتفاقيات لمنع انتشار الأسلحة النووية منها : سالت (1) عام 1972م سالت (2) عام
1979م
الظروف الدولية ( حركة عدم الانحياز ) :
1- مفهومها :
وهي كتلة دولية أو منظمة , ظهرت في سبتمبر1961م ببلغراد
اليوغوزلافية , تكونت من عدة دول مستقلة حديثا في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا
والتي تبنت الحياد الإجابي إزاء صراع الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي
والاشتراكي .
2- مبادئها :
ارتكز نشاط حركة عدم
الانحياز على المبادئ التالية : - تبني سياسة التعايش السلمي - احترام المواثيق
الدولية والمعاهدات الدولية - احترام سيادة الدول واستقلالها واستقرارها - احترام
حق الشعوب في تقرير مصيرها - عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول
- رفض سياسة استخدام القوة لحل النزاعات الدولية - التنديد ( الاستنكار والرفض )
بسياسة التسلح وتكوين الأحلاف العسكرية . - التنديد بسياسة التمييز العنصري
المبنية على تسليط جنس على آخر أو تفضيل شعب على آخر .
3- أهدافها :
ظهرت الحركة من أجل تحقيق عدة أهداف منها : - تنمية سياسة
التعايش السلمي ونشرها في العالم - تنمية العلاقات الدولية الودية بين دول العالم
. - مقاومة الاستدمار ومناصرة حركات التحرر - تدعيم الحلول السلمية للمشاكل
الدولية ومقاومة مبدأ استخدام القوة في حلها .
4- تطور اهتماماتها منذ مؤتمر الجزائر سبتمبر 1973م :
عرفت الحركة تطورا كبيرا
في اهتماماتها منذ مؤتمرها الرابع في الجزائر , من خلال إضافتها اهتمامات اقتصادية
إلى جانب اهتمماتها السياسية السابقة , حيث طالبت بضرورة تحقيق الاستقلال
الاقتصادي لدولها من خلال : - تمسكها بحق الشعوب في الاشراف على مواردها الطبيعية
بنفسها . - مطالبتها بتعديل النظام الاقتصادي العالمي وجعله يتماشى مع طموحات كل
الشعوب . - تأكيدها على ضرورة تحقيق توازن بين أسعار المواد الأولية وأسعار المواد
المصنعة . - دعوتها لتفعيل التعاون الاقتصادي بين دولها - مطالبتها بضرورة حصول
دول الجنوب على التكنولوجيا الحديثة من دول الشمال
الوضعية الثالثة : من الثنائية إلى الأحادية القطبية
الإشكالية : شهد العالم مع نهاية
الثمانينات تحولا في علاقاته الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهو ما سمح
بظهور ملامح نظام دولي جديد . فما هو مفهومه وما أهدافه ومؤسساته ؟
1- تفكك الكتلة
الشرقية وسياسة التطويق :
يعود تفكك الكتلة الشرقية وانهيارها اساسا إلى تفكك
الاتحاد السوفياتي وانهياره تبعا لعدة أسباب وهي :
-تعدد قومياته البشرية : إذ
تشكل أساسا من 32 قومية , بينها اختلافات لغوية وعرقية ودينية كبير - محاولة السلطة
السوفياتية تحقيق سياسة التوازن الجهوي عبر المجال الواسع للإتحاد السوفياتي (22.4
مليون كم2) وهو ما أرهق الخزينة السوفياتية وعرضها للعجز في نهاية المطاف - تركيز
السلطة السوفياتية على الجانب العسكري على حساب الجانب الاجتماعي للسكان , وهو ما
ولد نقمة اجتماعية ضدها
- اهتمام السلطة السوفياتية بحلفائها في الخارج ولو على
حساب مصالح شعوبها في الداخل وهو مازاد من النقمة الاجتماعية ضدها .
- تميز
الاقتصاد السوفياتي بمركزية شديدة غيبت الاجتهادات الفردية وهو ما خلق هو بين
الطبقة العاملة والسلطة الحاكمة , وأدى إلى ركود الاقتصاد السوفياتي
- التدخلات
العسكرية العديدة للجيش الأحمر السوفياتي في الخارج وما نجم عنها من خسائر مادية
وبشرية .
- فشل السوفيات في تحقيق أمنهم الغذائي رغم ما بذلوه من جهود , وهو ما
عرضهم لضغط السلاح الأخضر الأمريكي- عمل الولايات المتحدة الأمريكية ضد الاتحاد
السوفياتي بغرض إسقاطه حتى يتسنى لها الأمر بتزعم العالم .
- ضعف حلفاء الاتحاد
السوفياتي في الخارج .
- سياسة ميخائيل غوربتشاف الإصلاحية في نهاية الثمانينات
والتي بناها على سياستي الغلانسوست (الشفافية والوضوح في التسيير) والبروستوريكا
(تحديث الاشتراكية وإدخال الديموقراطية فيما بينها) , وهذا لم يكتف العالم
الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بإسقاط الاتحاد السوفياتي وتفكيكه
لعدة دول بل عمد إلى تطويق أكبر الجمهوريات المستقلة عنه ووريثته سياسيا واقتصاديا
وعسكريا (روسيا) بمجموعة من الدول الصغرى تحول دون وصول روسيا إلى المناطق الدافئة
في شمال ووسط وجنوب أوروبا , وآخر مظاهر سياسة التطويق هو محاولة الولايات المتحدة
الأمريكية نشر درع صاروخي أمريكي بدول أوروبا الشرقية قرب الحدود الروسية .